سورة آل عمران - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9)}
أي باعثهم ومحييهم بعد تفرقهم، وفى هذا إقرار بالبعث ليوم القيامة. قال الزجاج: هذا هو التأويل الذي علمه الراسخون وأقروا به، وخالف الذين اتبعوا ما تشابه عليهم من أمر البعث حتى أنكروه. والريب الشك، وقد تقدمت محامله في البقرة. والميعاد مفعال من الوعد.


{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)}
معناه بين، أي لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا. وقرأ السلمى {لن يغنى} بالياء لتقدم الفعل ودخول الحائل بين الاسم والفعل. وقرأ الحسن {يغنى} بالياء وسكون الياء الآخرة للتخفيف، كقول الشاعر:
كفى باليأس من أسماء كافي *** وليس لسقمها إذ طال شافي
وكان حقه أن يقول كافيا، فأرسل الياء. وأنشد الفراء في مثله:
كان أيديهن بالقاع الفرق *** أيدي جوار يتعاطين الورق
القرق والقرقة لغتان في القاع. و{من} في قوله: {مِنَ اللَّهِ} بمعنى عند، قاله أبو عبيدة. {أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} والوقود اسم للحطب، وقد تقدم في البقرة. وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف {وقود} بضم الواو على حذف مضاف تقديره حطب وقود النار. ويجوز في العربية إذا ضم الواو أن تقول أقود مثل أقتت. والوقود بضم الواو المصدر، وقدت النار تقد إذا اشتعلت. وخرج ابن المبارك من حديث العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «يظهر هذا الدين حتى يجاوز البحار وحتى تخاض البحار بالخيل في سبيل الله تبارك وتعالى ثم يأتي أقوام يقرءون القرآن فإذا قرءوه قالوا من أقرأ منا من أعلم منا؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل ترون في أولئكم من خير؟ قالوا لا. قال: أولئك منكم وأولئك من هذه الامة وأولئك هم وقود النار».


{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (11)}
الدأب العادة والشأن. ودأب الرجل في عمله يدأب دأبا ودءوبا إذا جد واجتهد، وأدأبته أنا. وأدأب بعيره إذا جهده في السير. والدائبان الليل والنهار. قال أبو حاتم: وسمعت يعقوب يذكر {كدأب} بفتح الهمزة، وقال لي وأنا غليم: على أي شيء يجوز {كدأب}؟ فقلت له: أظنه من دئب يدأب دأبا. فقبل ذلك منى وتعجب من جودة تقديري على صغرى، ولا أدرى أيقال أم لا. قال النحاس: وهذا القول خطأ، لا يقال البتة دئب، وإنما يقال: دأب يدأب دءوبا ودأبا، هكذا حكى النحويون، منهم الفراء حكاه في كتاب المصادر، كما قال امرؤ القيس:
كدأبك من أم الحويرث قبلها *** وجارتها أم الرباب بمأسل
فأما الدأب فإنه يجوز، كما يقال: شعر وشعر ونهر ونهر، لأن فيه حرفا من حروف الحلق. واختلفوا في الكاف، فقيل: هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون، أي صنيع الكفار معك كصنيع آل فرعون مع موسى. وزعم الفراء أن المعنى: كفرت العرب ككفر آل فرعون. قال النحاس: لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا، لأن كفروا داخلة في الصلة.
وقيل: هي متعلقة ب {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ}، أي أخذهم أخذا كما أخذا آل فرعون.
وقيل: هي متعلقة بقوله: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ...} أي لم تغن عنهم كما لم تغن الأموال والأولاد عن آل فرعون. وهذا جواب لمن تخلف عن الجهاد وقال: شغلتنا أموالنا وأهلونا. ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق. ويؤيد هذا المعنى: {وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ}. والقول الأول أرجح، واختاره غير واحد من العلماء. قال ابن عرفة: {كدأب آل فرعون} أي كعادة آل فرعون. يقول: اعتاد هؤلاء الكفرة الإلحاد والإعنات للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما اعتاد آل فرعون من إعنات الأنبياء، وقال معناه الأزهري. فأما قوله في سورة الأنفال: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} فالمعنى جوزي هؤلاء بالقتل والأسر كما جوزي آل فرعون بالغرق والهلاك.
قوله تعالى: {بِآياتِنا} يحتمل أن يريد الآيات المتلوة، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية. {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8